التاريخ : 2015-05-13   الوقت : 12:19 am
العذاب..! د. زيد حمزة

ليس الحديث هنا عن عذاب الحب الذي شكت من لوعته ام كلثوم في كثير من أغانيها فحركت في وجدان مستمعيها مشاعر التعاطف معها أو أثارت في نفوسهم ذكريات حب ما زال يؤرقهم ويضنيهم، ولا هو ذاك الذي برع في وصفه قبل ستين عاماً الشاعر المصري عبد المنعم الصاوي في قصيدته « أنا والعذاب وهواك» وهي من أجمل ما غنى محمد عبد الوهاب فأطرب الناس خصوصاً منهم الذين أدركوا معانيها الرقيقة العميقة.. بل هو حديث عن العذاب السياسي أي التعذيب بهدف التحقيق مع المعتقلين أو الانتقام منهم والذي ألف فيه القاضي العراقي عبود الشالجي بعد ان هاجر من العراق عام 1968 كتابه المشهور « موسوعة العذاب» في ثمانية مجلدات شملت أنواع التعذيب التي مارسها الحكام منذ الدولتين الأموية والعباسية وصولاً إلى الإمبراطورية العثمانية وحتى العراق الحديث في القرن العشرين.وفي كتاب الدكتور رشيد الخيون (2007) « طروس من تراث الإسلام» فصل كامل عن هذه الموسوعة التي كان دافع القاضي الشالجي لكتابتها هو كرهه الشديد للظلم وكان أول من نادى بإلغاء عقوبة الإعدام ولم يتورط قط في التوقيع على حكم بالموت، وقد رصد في موسوعته عددا كبيرا من صنوف العذاب وضحاياه بالاسم والوظيفة والتاريخ من الخفيف الى الرهيب كالشتيمة، لجم الفم عن الكلام، العفط، عرك الإذن، البصق في الوجه، السحب على الأرض، الصفع ، نتف الشعر، السلق بالماء الحار، المساهرة ( اجبار الانسان على عدم النوم) التعليق من الثديين( مورس على الجنسين) ، التسمير ، الخوزقة، سمل العينين، سل الأظافر، جذع الأنف، إطعام الإنسان قطعاً من لحمه بعد الشواء، والذبح البطيء.. واحتوت الموسوعة على أخبار السجون وأنواعها ومنها الزنازين الانفرادية ووصف حالات من التعذيب وممارسة اغتصاب الجنسين» مما يقشعر البدن من تصورها ويحتبس اللسان عن ذكرها ويرتعش القلم عند إثباتها او تدوينها وكلها تدل على مقدار ما في الناس من وحشية لا يتدنى إليها حيوان الغاب» وقال: كان من المؤمل بعد تقدم الإنسان في مضمار الحضارة ان يدفعه ذلك الى رعاية حقوق الإنسان وتوخي أسباب العدالة وتحاشي طرق المظالم الا ان طوائف هيأت لها الظروف في القرن الأخير ان تتحكم في بعض الاصقاع فأخذت الناس بالشدة والعنف وبأساليب من العذاب بالكهرباء والكيمياء وعلم النفس.وبالمقابل نجد الحديث عن التعذيب في الدول الديمقراطية مستمراً بجرأة و حرية فواحد مثل جيمس بتراس James Betras الأستاذ الفخري للعلوم الاجتماعية في جامعة بنغهامتون/ نيويورك كتب مؤخراً في ICH 16/ 12/ 2014 مقالاً عن سياسة التعذيب ناقش فيه تقرير مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي الذي صدر مؤخراً ليوثق تعذيب جهاز المخابرات المركزية CIA للمشتبه بأنهم إرهابيون بعد أحداث 11 أيلول 2001 وهي حالات لا تمثل إلا رأس جبل الجليد لان المخفي أعظم في تورطها منذ زمان طويل في عمليات تعذيب شديدة وعلى نطاق واسع كانت تقوم بها منذ فيتنام ( مشروع ابي الهول Phoenix Project ) وفي الاغتيالات التي نفذتها ضد قادة سياسيين في الكونغو والتشيلي وجمهورية الدومنيكان والشرق الأوسط وأمريكا الوسطى وعمليات الاختطاف والاختفاء للمشبوهين السياسيين في العراق وأفغانستان، وتزعم الـ CIA في الدفاع عن نفسها ان استخدامها لأساليب التعذيب والعنف هو أداة طبيعية ضمن المسموح به في مدونة قواعد الأخلاق (!) في سياستها لكن قد يرتكب فيها بعض الأخطاء والتجاوزات منفذون قليلو الخبرة او مشوشون عقليا وذلك بعكس ما أكد التقرير من أنها أخطاء أساسية في سياستها خصوصاً في عملية الإيهام بالغرق Water Boarding أو حرق الأعضاء التناسلية.ويستذكر بتراس ان نائب الرئيس السابق ديك تشيني المعروف بمسؤوليته عن كثير من جرائم الحرب في العراق والذي يجاهر بتأييده للتعذيب من اجل الحصول على المعلومات، صرح علنا في 10 ديسمبر 2014 بأن الرئيس جورج دبليو بوش وافق رسميا على استخدام التعذيب، وأضاف بأنهما كليهما كانا يطلعان على تفاصيل ذلك أولا ً بأول !ويشير بتراس الى التعاون بين CIA والموساد الإسرائيلية في تبادل المعلومات والخبرات عن طرق التعذيب وخصوصاً الجنسي منها أثناء التحقيق مع المعتقلين.وبعد.. فإن جيمس بتراس يمضى الى القول: ولن ينتهي هذا التعذيب فعلا الا بعد محاكمة السياسيين المسؤولين عن جرائمه، وعودة إمبراطورية الولايات المتحدة جمهورية كما كانت من قبل حيث تلغى حصانة المسؤولين وتبدأ العدالة.


الرأي

 

Advertisement

0 comments:

Post a Comment

 
Top